إبداعات الأرشيف جواهر لاتنسى

إبداعات الأرشيف جواهر لاتنسى إبداعات الأرشيف جواهر لاتنسى

تحليل بقلم منال بوشتاتي

ما أصعب الألم حين يعتري مشاعرنا وما أجمل اللحظات المشرقة التي يعلن فيها طموحنا عن تخطيطاته الجديدة ! وما ألذ جوائز التكريم حين نحقق انتصارات ، إذ لكل مرحلة تاريخها الجوهري والأسود ؛وكيفما كانت حياتنا ينبغي أن نكتب أحاسيسنا على مذكرات بيضاء فارغة لنملأ عمقها بقصصنا المشوقة ؛ولهذا كان فارس الأحاسيس خالد الزيتوني يدون همساته على الأوراق ومن بين تلك ؛الكلمات قصص وأحلام منها ما عكست جوارحه ؛ومنها ما تضاهي قصته وقصة الكثيرين .
ومن بين الكلمات التي تغنى بها نذكر لكم مجموعة ساحرة ظلت عالقة في أرشيفه الفني من تأليفه وغنائه وألحانه 
الأغنية الأولى ننساك رجعت اللور بغيت نتفكر معاك دوك الأيام لي دوزنا أحلى أيام . 
نستنتج في هذه الجملة حنين الكاتب إلى ذكرياته فيما قال سافرت بذاكرتي وتذكرت أيامنا البهية تلك الأيام كانت أحلى ذكرياتي .

ويسترسل في كتابته عبارات مأساوية : باقي عاقل نهار لي جات عيني فعينك مقدرتش نتحمل دقيقة وأنا بعيد عليك حيت لي حسيتو ما حسيتي به؛ انطلاقا من هذه العبارة نلمس معجم الوفاء للحبيبة في نصه . مازلت أتذكر اللحظة التي التقت فيها عيناي بعينيكِ حينها لم أتحمل البعد عنك لأن الذي أشعر به لا تشعرين به . 
والنور لي تمنيتو ظلام عيشتني فيه ؛ نستمد من جملة الشاعر الطابع المظلم في أعماق نفسه التعيسة ذلك الذي أطفأت نوره الحبية إذ قال : والنور الذي رسمته أحلامي صار ظلاما بسببكِ .

وليت كل نهار وكل لحظة نفكر فيك ؛والمعنى يفيد تفكيره فيها بشكل يومي. 
من مدة عرفت ما أنتي ليا وما أنا لك ؛ أدركت منذ مدة طويلة أننا لن نكون سويا. 
ننساك كيف ندير ننساك وأنت لي تمنيت حياتي تبدى حداك .

أمنيتي هي أن تبدأ حياتي بقربك فكيف سأنساك؟ تناول كاتب الأغنية بحسه الفني في موضوعه قصة حبيبة طعنت حبيبها بسكين الرحيل و أوقدت النار في جوارحه؛ ولم يملك سوى التغني بجراحه على إيقاعات موسيقية ردد من خلالها صوت قلبه بتساؤل جريح أجاب عنه بالنفي والحسرة أنساك وكيف سأنساك ؟ الأغنية الثانية القلب الخاين : بغيت غير نفهم شنو عملت معاك ؛ هنا يطرح الكاتب سؤاله على حبيبته القاسية بهذه العبارة أريد أن أفهم ماذا فعلت لكِ ؟ بغيت نفهم واش أنا نستاهل ؟ يؤكد سؤاله بإلحاح لمعرفة هل يتسحق منها هذه الخيانة : أريد أن أفهم هل أستحق منك كل هذا ؟ بغيت نشوف فراقي كيف جاك واش جاك صعيب ولا جاك ساهل ؛ يريد أن يعرف هل تألمت على فراقه أم أنها سعيدة ؟ 
شحال عشنا أنا وياك من أحلام شحال دوزنا شهور وسنين وأيام ؛ كم عشنا من أيام وأحلام ؛هنا يذكرها ويؤنبها بروعة الذكريات .

من حقي نعرف علاش غدرتي القلب لي بغاك . لماذا غدرتِ القلب الذي أحبكِِ ؟ يكرر سؤاله بشجن غزير رغبة منه في معرفة أسباب خيانتها له . 
ماتقوليش قلبك عايش فراحة ماتقوليش عايشة مرتاحة ؛ لاتقولي أنك سعيدة لاتقولي ضميرك مرتاح البال. 
أي واحد فينا مغديش يعيش حياتو وحيد ويتمنى يكون عندو حبيب ؛بناء على مفردات النص نلمس في عمق رسالة الكاتب حاجة الإنسان إلى الحب والمودة . بمعنى أن الإنسان لايعيش وحيدا وكل شخص يتمنى أن يكون له حبيب .
أنت لي اختارك قلبي معاك بغى يكون . أنت من اختاركِ فؤادي . شكون لي غادي يبعدني عليك شكون. لن يستطعوا إبعادك عني 
وخى قلبك يخون مازال صورتك بين عيني.

رغم كل هذه الخيانة فصورتكِ مرسومة في عيني . خسارة عمري لي هديتو لك خسارة قلبي ياماتاق فيك . أتأسف على حياتي التي أهديتها لك ؛ أتأسف على ثقتي الزائدة التي لاتستحقينها . 
في هذا النص نجد تخبط مشاعر الكاتب على صفحات مذكراته .، وفي ظل الشجن يسائل حبيبته بقلم مكسور ثم يعاتبها ويؤنبها ويذكرها بقصة حبهما القديمة ؛ وبين تساؤلاته وعتابه يجد أحاسيسه متهاطلة بقوة وفي لحظة ضعف يقول لها لن أنساكِ ؛وحين يتذكر غدرها يصرخ بكبرياء ويتأسف على ثقته الشديدة فيها لتبقى النهاية غامضة .

هل سيغلب طابع حبه على كبريائه لينتظر عودتها أم أنه سينسى بطلة قصة القلب الخائن ؟ الأغنية الأخيرة غبتي من نهار لي مشيتي وأنا عايش حياتي نتسنى فيك . منذ رحيلك وأنا أنتظرك . تمنيت حياتي نهديها لك غير رجعي باغي نعيش معاك .
أمنياتي هي أن أهديكِ حياتي فقط ارجعي لكي أعيش بقربك . إلا غبتي أنتي أنا عمري حبيبة ننساك . إذا غابت حبيبتي أنا لن أنساها أنتي لي بغيت ديما نكون معاك ؛ أنت التي أحببت الحياة بجوارها غبتي غبتي مشيتي وخليتني عايش بوحدي . يردد الكاتب معجم الغياب ويوضح للحبيبة الغائبة في مذكراته أنه يعيش وحيدا . 
أستنتج في أغنية غبتي صراع الكاتب مع ذكرياته القاتلة التي تلاحقه وتذكره ؛بحبيبته الغائبة تلك التي سحرت شاعر الرومانسية بأنوثتها وجمالها أيضا ؛فالكاتب لم يفصح عن دوافع الغياب هل هذه الغائبة هي نفسها التي كتب لها كلمات أنساك وهل يمكن أن تكون هي نفسها بطلة نص القلب الخاين تلك الخائنة التي وصف رحيلها بالعذاب ،أم أن البطلة أنثى افتراضية تخيلها الكاتب بحسه الوجداني ورسمها بأبشع الصفات لأنها تذكره بقصة قديمة ؟ ستظل تساؤلات القلم غائرة في عداد التشويق الدرامي ،وذلك مايزيد في قصصه الغنائية تشويقا وعلى كل حال لا يختلف القراء في أن كاتب النصوص الموسيقية فنانا ينثر خواطره بدقة دون تكليف ولاصباغة إذ يطلق الحرية لمشاعره ويسمح لها بتأليف كلمات موزونة؛ تثير القارئ قبل المستمع الذي ينبهر في ألحانه الفريدة في جوهرها ورقتها التي تزاوج سحر كلماته العذبة ؛وترقص على أنغام صوته الرخيم الذي وصفه الكثيرون بالحنجرة الماسية .

وفي إطار ذلك أجد أغانيه القديمة من الروائع التي لن يكررها الزمان فيما يعيد السؤال نفسه على أوراقنا لماذا ترك خالد التلحين والقلم وغير لونه الغنائي إلى لون جديد ؟ هل لأنه يسبح مع الأمواج مثل غيره أم أنه يريد الانفتاح على ثقافة جل الملحنين والكتاب ؟ أم هو يرغب في تجربة ذاته في ألوان مختلفة ؟ كل هذه الأسئلة سيحررها في جديد أعماله التي ستؤكد هل سيحتضن أسلوبه المألوف بقوة أم أنه سيساير النسمة الجديدة ؟ وبالتالي يبقى الحكم الأخير للنقاد والجمهور ؛ولا أملك سوى نثر أشواقي إلى إبداعاته القديمة وتقدير فكرة تغيير لون ألحانه