منذ يومين احتفلت المخابرات الروسية، في بيت الجمعية التاريخية بموسكو، بأخطر عملائها من خلال إقامة معرض تضمن وثائق وأسرار جاسوسها «كيم فيليبي»، محتوية على «معلومات خطيرة حول نشاطه المخابراتي».
وحسب «البيان» الإماراتية، أعلن مدير الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرجي ناريشكين، في حفل افتتاح المعرض، أن «فيليبي» كان رجلًا ذا مصير مدهش، وتمتع بمهنية احترافية رهيبة وفائقة، ومن أعلى الدرجات في العالم.
وكشفت الوثائق أن حياة «فيليبي» كانت سرية للغاية، لكنه خلّف أثرًا في تاريخ قرن بأكمله، وهو من تلقى جوائز من الديكتاتور الإسباني فرانسيسكو فرانكو، والملكة البريطانية إليزابيث الثانية، كما صافح مستشاري أدولف هتلر، وترقى في سلّم العمل بالمخابرات البريطانية، ليعتبروه «أخطر جاسوس عرفته البشرية».
وُلد «كيم فيليبي» في يناير 1912، ودرس في جامعة كامبريدج ببريطانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، وهناك تكوّنت أفكاره المتأثرة بالاشتراكية، معتبرًا أنها «توفر مقومات بناء الدولة العادلة، وتتساوى فيها فرص جميع الطبقات الاجتماعية»، وخلال دراسته جمعته علاقة بفتاة يهودية تُدعى «فلورا سولومون»، وهي من شاركته نفس الأفكار.
أما والده فعمل بالمملكة العربية السعودية، واعتنق الإسلام وسمّى نفسه عبدالله فيليبي بدلًا من «إيتش سان جون فيليبي»، وأصبح مستشارًا للمؤسس الملك عبدالعزيز بن سعود.
«فيليبي» هو أخطر العملاء المزدوجين في حلقة التجسس البريطاني، وعضو في حلقة جواسيس «كامبردج الخمس»، وعميل سري للمخابرات السوفيتية، ومسؤول عن إفشاء العديد من الأسرار الوطنية، إلى جانب عزل العديد من العملاء البريطانيين.
في عام 1940، استطاع الشاب العمل بجهاز الاستخبارات البريطانية «إم. آي. 6»، حتى أصبح مديرًا لمكتبه في واشنطن، بعدها عاد إلى لندن وشغل منصب كبير محللي شؤون الاستخبارات السوفيتية في رئاسة الجهاز، ومن هذه النقطة تمكن الروس من تجنيده لصالحهم، بواسطة «جاي بيرجيس» العميل المزدوج، وعضو «كامبريدج الخمس» في الوقت نفسه.
من واقع عمله حرص «فيليبي»، لمرجعيته الاشتراكية، على تزويد موسكو بالتطورات النووية لدى الغرب، ليضمن أن الحرب الباردة لن تتحول مطلقًا لحرب حقيقية، وأطلع الروس على تصرفات واستراتيجية الأمريكيين والبريطانيين.
عاون «فيليبي» في تلك المهمة زميلاه «دونالد ماكلين» و«جاي بورجيس»، حتى انتابه توتر شديد بهروبهما إلى موسكو عام 1951، حينها بدأت الشكوك تحوم حوله، وحقق معه مسؤولو المخابرات البريطانية، لكن المحققين لم يستطيعوا الخروج منه بشيء، إلى أن صرّح سكرتير الخارجية، هارولد ماكميلان، في 1955: «ليس لديّ سبب لأقول بأن السيد فيليبي خان مصالح بلده، أو وصفه بأنه الرجل الثالث، إن كان هناك حقًا أحدهم».
في نفس العام، أصبح العميل المزدوج مراسلًا لصحيفة «أوبزرفر» في بيروت، وكتب مقالات عارض فيها الصهيونية، وهو ما لمحته صديقته اليهودية «فلورا» وأثار غضبها.
وحسب ما نقلته صحيفة «الأخبار» اللبنانية عن سطور كتاب «جاسوس في حضرة أصدقائه» لـ«بن ماكنتاير»، خلال تواجد «فلورا» في إسرائيل، أغسطس 1962، حضرت مؤتمرًا من تنظيم «مؤسسة حاييم وايتزمان»، فيه التقت اللورد «روتشيلد»، أحد داعمي المؤسسة وصديقها منذ الثلاثينيات، وبادرته بالقول: «كيف توظف جريدة محترمة كالـ(أوبزرفر) مراسلًا ككيم فيليبي؟ ألا يعرف القائمون عليها أنه شيوعي».
وكشفت أن «فيليبي» حاول استقطابها إلى مجموعة مؤيدة للشيوعية في «كامبريدج» قبل 30 عامًا، موضحةً أن سبب وشايتها به هو كتابته لمقالات مُعادية لإسرائيل.
على الفور، أخبر «روتشيلد»، مدير الاستخبارات البريطانية وقتها «ديك وايت»، الذي أعاد فتح ملف «فيليبي» مجددًا وتمت ملاحقته من جديد في مركز عمله ببيروت، ما دفعه للهرب فورًا إلى موسكو عام 1963، وظل قابعًا هناك إلى أن توفي في 1988.
المصدر : المصرى لايت