قام المحلل العسكري الإسرائيلي «يوسي ميلمان»، بالكشف عن بعض الأسرار الخاصة ببعض نشاطات جهاز المخابرات الإسرائيلي، «أمان، قبيل نكبة 5 يونيو 1967، حيث أكد أن تلك الحرب اعتمدت على عنصريين أساسيين هما، الجواسيس، وتعمد تضليل الجانب المصري، وإعطائه معلومات غير صحيحة.
حيث أكد مليمان، خلال مقاله في جريدة «معاريف» الإسرائيلية، بتاريخ 2 مايو، أن المخابرات الإسرائيلية استخدمت الجاسوس المصري «رأفت الهجان»، في تضليل وتسريب معلومات خاطئة وغير صحيحة للجيش المصري قبيل حرب 67 مما أدى إلى هزيمته.
وأدعى مليان، أن الجاسوس المصري رأفت الهجان، والذي دخل متسللاً إلى إسرائيل كيهودي، تم كشفه بعد فترة، وتم التعامل معه وأصبح جاسوس مزدوج، وقام الهجان بالتنسيق مع قائد سلاح الجو الإسرائيلي، «عزرا فايتسمان»، بتقديم معلومات خاطئة عن خطة الجيش الإسرائيلي الحربية، الأمر الذي أدى إلى مباغتة القوات المصرية وتدمير جميع مطاراتها، وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات.
إلى نص المقال؛؛
عمليات الاستخبارات الأخرى التي ساعدت الجيش الإسرائيلي جرت في القيادة الجنوبية. كان ضابط مخابرات القيادة العميد مائير مائير، الذي كان في السابق رئيس مكتب ياريف. تركزت مهمة المخابرات الرئيسية بالقيادة (بما في ذلك لأنه لم تكن في مجالها أحداث لعمليات تخريبية معادية كما يحدث في القيادة الشمالية) في جهود معرفة وفهم العدو، وبناء عليه إعداد الجيش الإسرائيلي للحرب ضده. لذلك جرى إعداد ملفات ميدانية لسيناء، تضمنت معلومات عن محاور تحركات الجيش المصري، ومناطق سيطرته، ومواقعه، وحصونه وغير ذلك.
كان هناك جزء مهم في استعدادات المخابرات خلال السنوات التي سبقت الحرب تمثل في عمليات الخداع، التي هدفت لتضليل المصريين حيال خطط الحرب الإسرائيلية. عمليات الحرب النفسية هذه تمت من خلال نشاطات على الأرض وعملاء مزدوجين.
في ذلك الوقت كان لدى إسرائيل عميلان على الأقل من هذا النوع، مهمة تشغيلهم من مسئولية الشاباك (جهاز الأمن العام). كان أحدهم فيكتور جريفسكي، صحفي هاجر لإسرائيل من بولندا بعد أن حصل للشاباك عام 1956 على الخطاب السري لزعيم الحزب الشيوعي السوفيتي في مؤتمره الـ 20. عندما هاجر لإسرائيل حاول ضباط الـ كي جي بي (المخابرات الروسية) تجنيده. قال جريفسكي ذلك للشاباك، عندما طلب منه العمل كجاسوس مزدوج. بواسطة جريفسكي، غذت إسرائيل المخابرات السوفيتية بمعلومات كاذبة، حدث ذلك أيضا عشية الحرب.
عميل آخر، كان فعالا بشكل خاص، هو رفعت الجمال(رأفت الهجان)، الذي جندته المخابرات المصرية وتسلل إلى إسرائيل كيهودي مهاجر جديد عام 1955. خلال وقت قصير افتتضح أمره، وأُلقي القبض عليه ليصبح عميلا مزدوجا.
خلال 12 عاما زود مشغليه في المخابرات المصرية بمعلومات كاذبة أو مضللة، أعدها الضباط المسئولون عنه في الشاباك، الذين تم توجيههم على يد المخابرات العسكرية (أمان).
ذروة نشاط الجمال بدأت عام 1965، عندما نقل بالتنسيق مع قائد سلاح الطيران عزرا فايتسمان معلومات عن “خطة الحرب” الإسرائيلية. وفقا لهذه المعلومات الكاذبة، ستشن إسرائيل الحرب بهجوم بري، وستكون مهمة سلاح الطيران حماية سماء إسرائيل وتقديم الدعم للقوات البرية فقط.
فعليا، كانت خطة الحرب الحقيقية تتبلور حول عملية مركزة- هجوم مباغت لسلاح الطيران ضد المطارات ومحطات الرادار في سيناء ومصر. من أجل ذلك بدأ “أمان” وسلاح الطيران عملية خداع أخرى، كان هدفها تضليل مصر حول روتين سلاح الطيران.
في النقاشات التي جرت خلال بلورة الخطة المركزة كان هناك خلاف حول ما إن كان على سلاح الطيران شن الهجوم في الصباح الباكر أم في وقت لاحق. في نهاية الأمر تقرر بدء الهجوم الساعة 7:45، حتى يكون قد انجلى ضباب الصباح، وتكون الرؤية جيدة و الطيارون المصريون منهمكين في تناول الإفطار في قواعدهم بعد عودتهم من طلعاتهم الصباحية.
خلال فترة الانتظار، ولترسيخ شعور المصريين بأنهم يفهمون روتين الطيران الإسرائيلي، كان يتم إطلاق بين 7 إلى 8 طائرات تدريب إسرائيلية من نوع (Fouga Magister ). “هكذا نعود المصريين على رؤية طائراتنا تحلق باتجاه سيناء، والاعتقاد أن ذلك مجرد روتين”. ينقل جلبوع في كتابه عن دان هاداني، نائب رئيس قائد المخابرات بسلاح الطيران.
عندما شنت إسرائيل الحرب، وانطلقت مئات الطائرات في الجو، كان المصريون ما زالوا يعتقدون أن الحديث يدور عن روتين وليس شيئ حقيقي. تأكد الأمر من وثائق مصرية وقعت غنيمة في يد إسرائيل بعد الحرب، ومنها يتضح أن معظم عمليات الخداع والحرب النفسية التي نفذتها المخابرات العسكرية نجحت في تضليل المصريين.
واصلت المخابرات العسكرية الخطأ في تقديراتها. بعد أن ورد تقرير حول إدخال الجيش المصري الغاز لسيناء. كانت المخاوف من نية الجيش المصري استخدام السلاح الكيماوي، مثلما فعل خلال الحرب الأهلية في اليمن قبل بضعة سنوات من ذلك. مرت ساعات طويلة من الذعر حتى اتضح أن الحديث يدور عن غاز طهو للمطابخ. تقديرات خاطئة أخرى ارتكبها قسم البحث برئاسة جازيت في 22 مايو، تقضي بأن عبد الناصر لن يأمر بإغلاق مضيق تيران، رغم دخول قواته لسيناء. لكن ياريف خالفهم الرأي وجادل عناصر البحث، لكن في نهاية الأمر وافقهم الرأي.
صبيحة اليوم التالي اتضح أن جازيت والبحث أخطأوا وأن ياريف قد أصاب. بعدما طرد عبد الناصر قوات الأمم المتحدة أغلق المضيق وأعلن أنه سيوقف الملاحة لميناء إيلات، والتي كانت من إنجازات حرب 56. في نفس اليوم فطن ياريف :”الآن هذه هي الحقيقة بعد نظرية استمرت 4 سنوات، تقضي بأن عبد الناصر عقد العزم على عدم التورط في الحرب طالما كان جيشه غير مستعد”.
بدأ الجيش الإسرائيلي الاستعداد لتطبيق خطة الحرب، وبالأخص إقناع القيادة السياسية بالتوقف عن التردد والمبادرة بالهجوم المخطط له. كان الرد الأمريكي هو أكبر مخاوف حكومة أشكول. نقلت إدارة ليندون جونسون لإسرائيل رسائل رسمية بأنها تعارض شن إسرائيل الحرب (كذلك حذر الرئيس الفرنسي شارل ديجول من ذلك) وتعهدت بإنشاء أسطول حربي دولي ينهي الحصار الذي تفرضه مصر على إيلات عبر مضيق تيران.
سافر وزير الخارجية أبا إيبان للولايات المتحدة للقاء رموز الإدارة وسمع منهم نفس الرسالة: لا تشنوا الحرب. انتظروا الأسطول الحربي. لكن في إسرائيل فهموا أن الولايات المتحدة لا تملك النية لتشكيل تلك القوة البحرية.
الأهم من ذلك أن جهاز أمان اعترض برقيات ورسائل نُقلت من مصادر أجنبية مختلفة، تبين منها أن إدارة جونسون تتحدث بصوتين. حظيت العملية الاستخبارية في أمان بالاسم الكودي “ضوء أخضر”:رسميا تعارض الإدارة هجوم مسبق تشنه إسرائيل، لكن في القنوات السرية سُمعت نغمة أخرى تؤيد العملية. خلصوا في أمان إلى أن السبب في محاولة جونسون التهرب من لقاء إيبان يعود لنفس السبب، وهو أن الرئيس الأمريكي لم يرغب في أن يسأله وزير الخارجية الإسرائيلي بشكل واضح ما إن كان بإمكان إسرائيل شن الحرب، كيلا يضطر للرد عليه بإجابة سلبية.
كان ياريف هو من فهم واستخلص توجه الولايات المتحدة. في 29 مايو، توجه ياريف خلال اجتماع للحكومة إلى صديقه وسابقه في المنصب مائير عاميت، والذي شغل وقتها منصب رئيس الموساد وقال له، مثلما جرى الاقتباس في كتاب جبلوع :”مائير، أنت مقرب من ريتشارد هيلمز رئيس المخابرات المركزية الأمريكية CIA.. هو صديقك الشخصي. يمكنك عبر مكالمة شخصية معه أن تفهم بالضبط ما يحدث.. حاول أن تتلمس كيف سيكون موقفهم حال بدأنا الحرب”.
وافق أشكول وأرسل عاميت لواشنطن. والتقى هيلمز ووزير الدفاع روبرت ماكنامارا، الذي تلقى خلال اللقاء مكالمة من جونسون. وصل عاميت في محادثاته إلى أن الولايات المتحدة لن تعارض هجوما تشنه إسرائيل وستمنحها الدعم حال هدد الاتحاد السوفيتي برد قاس.
لدى عودته في 3 يونيو، أخطر عاميت الحكومة بما جرى، والتي تحولت في الأثناء إلى حكومة وحدة وطنية مع تعيين ديان وزيرا للدفاع وضم كتلة حيروت الليبرالية. وفي صباح 5 يونيو اندلعت الحرب.
المصدر : مصرفايف