شاب فلسطيني نشأ في كنف أسرته ذات صيت عالٍ بمنطقة حيفا، ومنها توجه إلى باريس ثم عاد إليها بعد نكسة 1967 ممتثلًا لسيطرة الكيان الصهيوني، هذه الظروف مكنت المخابرات المصرية من تجنيده وتسريب معلومات هامة من جيش العدو، إلا أن الصهاينة ألقوا القبض عليه ولم يكمل فترة عقوبته للإفراج ضمن صفقة تبادل أسرى.
ما سبق هو ما جسده الفنان السوري تيم حسن في مسلسل «عابد كرمان»، وهو العمل الذي كتب فيه السيناريو والحوار بشير الديك وأخرجه نادر جلال، ومستوحى من قصة ماهر عبدالحميد الذي تعاون مع المخابرات المصرية لـ3 سنوات، والذي استمع من «عابد» نفسه عما حدث له طيلة فترة تجسسه.
وُلد عبدالرحيم قرمان عام 1938 منتسبًا لأسرة فلسطينية تمتد جذورها إلى قبيلة «ابتين» العربية، ونشأ في حيفا قبل دخولها ضمن النفوذ الإسرائيلي عقب نكسة 5 يونيو 1967 حسب ما أشار إليه موقع «المجموعة 73 مؤرخين».
أسرة «عبدالرحيم» كانت ميسورة الحال وتمتلك مزرعة للخضروات والفاكهة، لكن المعيشة الرغيدة لم تستمر طويلًا بتعرض حيفا لاعتداءات الإسرائيليين حتى توفي شقيقه، رغم ذلك زامله في مراحل دراسته بعض الطلاب الصهاينة، والذين أصبحوا فيما بعد قادة كبارا في صفوف جيش العدو.
تمتع بوسامة وأناقة في مظهره وهو ما كان كفيلًا بانجذاب النساء إليه بسهولة، وهو الأمر الذي كان يهواه من حين لآخر، ومع اشتداد قبضة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية تعرف في تل أبيب على موظفة فرنسية في مكتب الخطوط الجوية الفرنسية تُدعى «جاكلين مولييه»، وتوطدت علاقتهما بشكل كبير حتى أطلقت عليه اسم «عابد كرمان» بدلًا من «عبدالرحيم قرمان».
تمر السنون ويقتحم أحد الأشخاص حياة «عابد»، وهو الفرد الذي حرص على التوجه إلى مزرعة العائلة باستمرار لتنشأ بينهما صداقة قوية، وما أن أنهت «جاكلين» مهامها في تل أبيب وعادت إلى باريس نصحه بأن يلحق بها إلى فرنسا.
وبالفعل سافر بجواز سفره الإسرائيلي إلى باريس، وهناك وجهه هذا الشخص إلى السفارة المصرية ليتم تجنيده لصالح جهاز المخابرات، مستغلين كرهه وحقده للصهاينة جراء ما تعرضت له أسرته وشقيقه سابقًا.
وخاض تدريباته لفترة حتى أصبح مؤهلًا لخدمة المخابرات المصرية، وبدأت المهمة من ارتباطه بـ«جاكي»، وبعد جولات عدة لمختلف الدول الأوروبية أمره أحد ضباط الجهاز بالعودة إلى تل أبيب على أن يكون في انتظاره شخصًا يهوديًا يٌدعى «إسحاق رينا» من المفترض أن يشاركه في مصنع للحلاوة الطحينية.
وبالفعل تمت العملية بنجاح عندما خصصت المخابرات مبلغًا ماليًا لإنشاء المصنع فعليًا في باريس، واعتبرت هذه المنشأة ساترًا على نشاطه المخابراتي، وتمكن على إثر ذلك من توسيع علاقاته في الجمارك والتي امتدت لداخل الجيش الإسرائيلي.
وأثناء إنهائه لإجراءات سفره إلى باريس من جديد توجه إلى مكتب سفر تابع لشركة «أوليمبيك» اليونانية، وفيه تعرف على موظفة تُدعى «ديانا مطر» ووطد علاقته بها حتى استطاع أن يسرب منها المعلومة تلو الأخرى، كما حصل على جوازات سفر لشباب إسرائيليين في مقابل ليالي ساخنة قضاها معها.
واستمر نفوذ «عابد» يتسع لدرجة مكنته من تجنيد أحد العاملين في سلاح الحدود بجيش العدو دون أن يدري، وتمكن من خلاله إدخال بعض المعدات الصغيرة إلى إسرائيل بعد أن أوهمه بعمله لصالح عصابة دولية تهرب الماس، وذلك في مقابل مادي شهري.
كما استغل مزاملته للطلاب الإسرائيليين في دراسته، خاصةً بعد علمه بوصول صديقه «جيورا زايد» إلى منصب مدير مخابرات حيفا، ليتوجه إليه محملًا بالهدايا التي أحضرها من باريس.
وعلى الفور استقل «عابد» مع سيارة «جيورا» الجيب التابعة للجيش الإسرائيلي، ومن خلال هذه الرحلة تعرف على معلومات هامة تخص الجبهة الشمالية في سوريا، ليرسل إلى المخابرات المصرية ما دار كافة مستخدمًا الحبر السري في الكتابة.
وبنجاحه في اختراق الجيش الإسرائيلي طلبت منه المخابرات مهمة أصعب، وتمثل الأمر في تعرفه على موشيه ديان ذاته الذي كان مولعًا بشراء الآثار واقتنائها، كما أن زوجته «روث» تمتلك متجرًا لبيع التحف، إلا أن علاقته بها توترت حتى هجرته، ليكون على علاقة بـ«خياطة» فيما بعد.
ومن هذه المقدمات تمثلت الخطة التي وضعتها المخابرات المصرية في «إحضار جرة أثرية عمرها 3 آلاف سنة ودفنها أسفل مصنع عصر الزيوت المهجور القديم على أطراف مزرعته، مع خلط التربة بكبريتات النحاس التي أرسلوها في صندوق»، وساعد في تهريب الأثر توفيق فياض العامل بجمارك مطار «اللد»، والذي جنده «عابد» بمعرفته.
وبالفعل تم هدم مصنع عصر الزيوت وأقيمت محله فيلا بالقرب من مزرعة «ديان»، وبعدها بمدة بدأت أعمال الحفر حتى افتعل «عابد» أنه فوجئ بعثوره على الجرة الأثرية، ليتوجه إلى «روث» التي اتصلت بزوجها.
وفور أن علم «ديان» بالأمر توجه إلى متجر للأنتيكات، والذي فيه جرى أول لقاء بينه وبين «عابد»، قبل أن يتوجها إلى المزرعة من جديد وتتوطد علاقتهما بشكل أعمق.
وتردد «ديان» على مزرعة «عابد» بشكل شبه يومي معتقدًا وجود المزيد من القطع الأثرية، وهنا أُعجب بفتاة تُدعى «سالومي» لتنشأ بينهما علاقة.
وبخصوص علاقة «ديان» و«سالومي» وصفها موقع «المجموعة 73 مؤرخين» بأنها كانت «جواز المرور لدخول أي مكان في إسرائيل وجعله بعيدًا عن الشبهات»، ليستطيع عميل المخابرات المصرية بموجب شبكة علاقاته القوية من التعرف على تفاصيل عملية مقاولات لمنشآت عسكرية.
وأصبح «عابد» شخصًا موثوقًا فيه داخل إسرائيل، وتعرف على وثائق مهمة تخص جيش العدو وعملياته الإنشائية على الجبهة الجنوبية، بنجاحه في الحصول عليهم من حوزة «ليفي شموائيل» مقابل 50 ليرة.
ويستمر «عابد» في عمله بدأب متواصل إلى أن التقى بزميل دراسته السابق خالد الزهر المنتمي لعرب 1948، والذي كان يعمل وقتها بإحدي شركات السفر المملوكة لإسرائيلي.
في تلك الأثناء فكر في أن يجند زميل دراسته بدلًا من «ديانا مطر» التي توقفت عن سرقة جوازات السفر، مستغلًا في ذلك حاجة «الزهر» للمال.
وعلى أساسه أقنع «عابد» زميله بأنه يعمل في تجارة الماس وفي حاجة إلى جوازات سفر يستخدمها أفراد شبكته الدولية في التنقل بين البلدان للهرب من «الإنتربول»، وذلك مقابل ألف ليرة، وبعد الاتفاق غير هدفه ليصارحه برغبته في تجنيده.
لكن ما فعله «عابد» كان بمثابة «القشة التي قسمت ظهر البعير» وفق تعبير الموقع، بسبب فرض الموساد الإسرائيلي مراقبة عليه عقب تسلمه جوازات السفر.
وتمكنت السلطات الإسرائيلية من إلقاء القبض عليه خلال إنهاء إجراءات سفره بمطار «اللد» في يناير عام 1970.
وفي السجون الإسرائيلية تعرض للتعذيب دون أن يعترف بشىء مستغلًا علاقاته بالوزراء الإسرائيليين وموشيه ديان، والذين طلبوا منه عدم ذكر أي تفاصيل تخصهم، وعلى أساسه كتم كل ما يعرفه وعلى رأسهم تسريبه خرائط خط بارليف إلى المخابرات المصرية.
واستمر بقاؤه داخل السجن حتى عام 1974 عندما أُفرج عنه ضمن صفقة تبادل أسرى تمت بين مصر وإسرائيل، ليحضر إلى القاهرة ويروي قصته لماهر عبدالحميد الذي يعود الفضل إليه في تجسيد تلك الأحداث في مسلسل «عابد كرمان».
المصدر : المصرى اليوم لايت