تقضي أغلب الأوقات بملابس رسمية ممتثلةً لإجراءات غير قابلة للكسر في المناسبات الرسمية، والتي يستقبلها فيها الجميع بإجلال واحترام بشكل دائم، لكن ظروف الحياة الرغيدة التي عاشتها تحت مظلة القصر الرئاسي توقفت أمام النيابة العامة.
في نوفمبر الماضي تعرضت رئيسة كوريا الجنوبية «بارك جون هيه» للاستجواب من قبل النيابة العامة في بلادها، وهي السابقة الأولى من نوعها، بعد إقدامها على تصرفات منحرفة تسببت في وقوعها تحت طاولة المساءلة.
تبدأ القصة من يوليو الماضي وقت أن دعت «بارك» رؤساء 17 شركة لتناول وجبة الغداء، واستغلت الفرصة وطلبت منهم تأسيس صندوق غير ربحي، وهو ما حدث بعده بـ3 أشهر وحمل اسم «كي-سبورتز».
من هذه النقطة وجدت صديقة الرئيسة، وتُدعي «تشوي سون»، ضالتها في الصندوق، وهي من استغلت علاقتها بـ«بارك» للاستيلاء على الأموال التي فيه من خلال اطلاعها على مستندات سرية تلقتها من سكرتير الرئاسة «جونغ هو سيونغ».
وتكفل مستشار الرئاسة السابق «آن جونغ» بجمع التبرعات من الشركات الكبرى، وأجبر، بإيعاز من «بارك» وصديقتها، رؤساء الشركات للتبرع بأموالهم لمؤسسات تسيطر عليها «تشوي سون».
وفي نفس الشهر الذي نظمت فيه «بارك» مأدبة الغداء اجتمعت برئيسي شركتي «سامسونج» و«هيونداي»، وقتها طلبت منهما التبرع لمؤسستين ثقافيتين تستغلهما صديقتها لإثراء نفسها حسب المنشور بموقع «العربية نت».
كل هذه المقدمات أفضت إلى تعرض رئيسة البلاد لاستجواب من قبل النيابة العامة، بعد التحقيقات التي أجرتها السلطات مع السكرتير الرئاسي السابق «جونغ هو سيونغ» ورئيس شركة سامسونج «لي جاي يونج» الذي تبرع بمبلغ 15 مليون دولار، كما دفع ما يزيد عن 3 ملايين دولار إلى «تشوي سون» كنفقات تدريب ابنتها على الفروسية في ألمانيا.
ومع بدء خروج تفاصيل الأمر إلى العلن خرج الكوريون إلى الشوارع وطالبوا الرئيسة بالتنحي، وحملوا لافتات مدون عليها «لتسقط الرئيسة بارك» حسب المنشور على «العربية نت».
ولإخماد موجة الاحتجاجات ألقت «بارك» خطابين اعتذرت فيهما للشعب الكوري، إلا أن رد الفعل الذي تطلعت إليه لم يجد صداه باستمرار غضب الشعب، وهو ما دفعها للرغبة في الاستقالة من منصبها لكن بعد وضع البرلمان خطة انتقال للسلطة.
وبالفعل وضع البرلمان الخطة وصوتوا على سحب الثقة من «بارك» في أوائل ديسمبر، وهو المقترح الذي لقي تأييد 234 نائبًا في مقابل 56 صوتًا معارضًا، ما ترتب عليه شروع المحكمة الدستورية في مراجعة الإجراءات المتخذة خلال 6 أشهر، مع وجود ترجيحات بتقصير ولاية الرئاسة وإجراء انتخابات مبكرة.
وبسحب البرلمان ثقته من «بارك» سلمت صلاحيات منصبها لرئيس الوزراء في البلاد «هوانج كيو»، ووجهت السلطات لها اتهامات «تسريب عشرات النصوص والخطب الرئاسية إلى صديقتها المقربة تشوي سون سيل، التي اتهمت باستغلال علاقتهما لجمع أموال طائلة والتأثير على سياسات الحكومة».
في مارس الماضي نشر موقع «سبوتنيك»، نقلًا عن وكالة «يونهاب» الكورية، أن المحققين توصلوا إلى أن «بارك» كانت على علم بـ«اللائحة السوداء» التي وضعتها وزارة الثقافة الكورية عام 2015، والمؤلفة من 9473 شخصية ثقافية انتقدوا الإدارة الرئاسية.
كما كشفت التحقيقات أن «بارك» وصديقتها كانتا تخشيان التنصت على مكالماتهما الهاتفية، ما دفعهما لاستخدام هواتف خلوية مسجلة تحت أسماء أخرى للمحادثات من أبريل وحتى أكتوبر الماضيين، وهو ما يُعتبر انتهاكًا للقانون في كوريا الجنوبية.
في 10 مارس الماضي أعلن رئيس المحكمة الدستورية «لي جونج مي»: «نعزل بارك جون هيه من المنصب لتصرفاتها التي خانت ثقة الشعب، وما قامت به يمثل انتهاكا خطيرًا للقانون لا يمكن التسامح بشأنه»، وهو ما يؤيد أجراء البرلمان بسحب الثقة منها.
قرار عزل «بارك» فجر غضب مؤيديها الذين حاصروا مقر المحكمة الدستورية للاحتجاج، ما أفضى إلى سقوط قتيلين جراء الاشتباكات الدائرة مع قوات الشرطة.
الخميس الماضي منحت محكمة منطقة العاصمة سيؤول الوسطى حق حبس «بارك» للنيابة العامة، لتنتقل بعدها بيومين إلى السجن لقضاء العقوبة.
ونشر موقع «العربية نت»، نقلًا عن صحيفة «يونجانج إيلبو» اليومية، أن مسؤول في وزارة الدفاع صرح بأن «بارك أخذت حمامًا وارتدت زي السجينات الشتوي الأخضر»، كما أنها بكت عند اقتيادها إلى الزنزانة، وفق ما ذكره مصدر طلب عدم ذكر اسمه لقناة «تي في شوسون».
وباتت «بارك» ليلتها الأولى في زنزانة انفرادية تبلغ مساحتها 10.6 متر مربع، مع العلم أن مساحة الزنزانة للمسجونين هي 6.5 متر مربع، مما تسبب في مظاهرات شعبية عارضت الأمر واعتبرته تفرقة، كما حصلت على الرقم 503 داخل السجن.
وتنتظر «بارك» انتهاء القضاء الكوري من دراسة وضع محاكمتها بسبب توجيه النيابة اتهامات لها بالفساد أفضت إلى الإطاحة بها من سدة الحكم.
المصدر : المصرى لايت