في الأول من يوليو 1942 كان العراقيون على موعد مع استقبال طفل يدعى عزة إبراهيم الدوري، لكنهم لم يدركوا حينها أن تأثير هذا الطفل سيكون طاغيًا على مصير بلادهم محليًا وإقليميًا، بل وترصد أكبر دولة في العالم مبلغًا ماليا كبيرًا لمن يدلي بمعلومات عن مكان تواجده.
من هذا التاريخ بدأ «الدوري» حياته في بلدة «الدور» الواقعة بالقرب من مدينة تكريت، منتميًا لأسرة فقيرة، وفي شبابه أصبح ناشطًا في حزب البعث مشاركًا الراحل صدام حسين في ثورة 17 يوليو 1968، للإطاحة بالرئيس العراقي عبدالرحمن عارف.
ومنذ تلك اللحظات لم يفارق «الدوري» صدام حسين، حتى بعد تولي الأخير منصب رئاسة الجمهورية في عام 1979، ووضع الرئيس الراحل كامل ثقته فيه حتى أصبح كـ«ظل» له، بصفته نائبًا لرئيس مجلس قيادة الثورة.
وتورط «الدوري» في مذبحة «حلبجة» عام 1988، حينما اجتاحت القوات العراقية المدينة بالأسلحة الكيماوية، ورغم ادعاء الرئيس العراقي بعدم معرفته بما اتخذه القادة العسكريون حيال الأمر، أثناء تحقيق الولايات المتحدة معه، إلا أن نائبه كان يتفاخر بالحادث، حسب المنشور بصحيفة «نيويورك تايمز».
ومع اندلاع حرب الخليج الثانية كان «الدوري» هو المفاوض العراقي في المباحثات التي أجراها العاهل السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز معه، بعد يوم واحد من اجتياح أراضي الكويت كانت الرسالة التي أوصلها للملك أن صدام لا ينوي إنهاء الاحتلال.
ومع اشتداد وطأة حرب الخليج نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الدوري» حذر الأكراد من إثارة أي بلبلة، وقال لهم: «إذا كنتم قد نسيتم حلبجة، فإنني أريد أن أذكركم أننا مستعدون لتكرار العملية مرة أخرى».
ورغم الكوارث التي اقترن بها اسم «الدوري» إلا أنه في عام 1993 شارك في «الحملة الإيمانية» التي ترعاها الحكومة العراقية، بهدف تشجيع المواطنين بالإقبال على القيم الإسلامية.
ومع توتر الأوضاع بين بغداد والولايات المتحدة الأمريكية تعرض «الدوري» في صباح 23 نوفمبر 1998 لمحاولة اغتيال في كربلاء، خلال إنابته عن الرئيس العراقي في حفل إحياء ذكرى ميلاد الإمام الحسين، وزار ضريحه، ورغم الواقعة أصر على إلقاء كلمته أمام الجمهور.
في تلك الأثناء رصدت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغا قدره 10 ملايين دولار لمن يرشد عن «الدوري»، لتورطه في عمليات عسكرية استهدفت أهالي مدينتي سامراء وتكريت، وكان ترتيبه السادس ضمن قائمة المطلوبين، والتي تحمل 55 اسمًا.
وفي عام 1999 كان الدوري في حاجة إلى نقل دم كل 6 أشهر، بسبب اشتباه الأطباء في إصابته بمرض «اللوكيميا» وفق المنشور بموقع BBC، وعليه توجه إلى النمسا لتلقي العلاج، وهناك طالبت المعارضة حكومتها بعدم السماح له بالمغادرة بصفته «مجرم حرب»، إلا أنه عاد إلى بلاده.
ومع اعتزام الولايات المتحدة الأمريكية غزو العراق نشبت مشادة حادة بين «الدوري» و ممثلي دولة الكويت في قمة الدول الإسلامية بالدوحة في أول مارس 2003، وقال بحقهم: «في كل عام يخسر العراق بسبب الكويتيين، وخيانة الحكام الكويتيين، وتآمرهم مع الصهيونية»، ثم سب أحدهم.
ومع سقوط بغداد في نفس الشهر اختفى «الدوري» عن الأنظار، وبدأ الجميع يبحث عن موقع اختبائه، حتى صرح مشعان الجبوري، رئيس حزب الوطن العراقي في مايو 2003 لصحيفة «الشرق الأوسط»: «لقد رصدت مكانه مرتين، وعرفت أين ذهب، وبإمكاني اعتقاله الآن إذا تعهد الأميركيون بإحالته الى محكمة عراقية».
وتمكنت القوات الأمريكية من إلقاء القبض على زوجة «الدوري» وابنته ونجل طبيبه الخاص في نوفمبر 2003، حسب المنشور بوكالة الأنباء الكويتية «كونا»، لكن دون أي معلومات عنه جراء تنفيذ تلك العملية.
وفي أعقاب إلقاء القوات الأمريكية على صدام حسين بدأت في ضبط أقارب وعائلة «الدوري» لاستجوابهم، وهو الذي تزوج 5 مرات وأنجب 9 أولاد و10 فتيات.
ومع تردد الأنباء حول مكان اختباء «الدوري» أعلن حزب البعث العراقي وفاته في بيان رسمي صدر في نوفمبر 2005، لكنه فاجأ المتابعين ببثه كلمة صوتية له في يناير 2007 انتشر على شبكة الإنترنت، بعد أيام من إعدام صدام حسين، وطالب فيه العراقيين بإكمال القتال ضد الأمريكان.
وفي أواخر يناير 2007 قرر «الدوري» فصل 150 عضوًا من حزب البعث العراقي بسبب انشقاقهم حسب المنشور على موقع «العربية»، واتهم سوريا باحتضانهم، وذلك دون معرفة مكان تواجده آنذاك.
ونشرن صحيفة «الرياض»، في يوليو 2009، تقريرًا يفيد باعتراف إحدى خادمات «الدوري»، أثناء التحقيق معها، بتواجد «نائب صدام» في سوريا، وهو الوقت الذي انتشر فيه نبأً يفيد بوجوده داخل مصر.
تواجده في سوريا بات مرجحًا في نوفمبر 2011، إثر بث قناة «الرأي» السورية تسجيل صوتي له رفض خلاله إنشاء إقليم في محافظة صلاح الدين العراقية، نافيًا فيه ما أثير حول نية حزبه «المنحل» الانقضاض على السلطة.
وفي إبريل 2012 كان الظهور الأول لـ«الدوري» بعد غياب 9 سنوات منذ غزو العراق، وألقى خطابًا من مكان غير معروف تداولته القنوات الفضائية العربية، وفي كلمته حذر من انتشار النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، كما تبرأ من تصرفات الخارجين عن حزب البعث.
وظهر «الدوري» في مقطع فيديو آخر في أوائل عام 2013، وفجر المفاجأة بقوله إنه يتحدث من داخل محافظة بابل العراقية، قبل أن يهاجم حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، متهمًا إياه بتنفيذ المخطط «الصفوي الإيراني» داخل بلاده، متوعدًا كل من يؤيد المشروع سواءً كانوا مدنيين أو عسكريين.