قبل ثلاثة أعوام كانت الصحف ووكالات الأنباء تنقل صور المواطنين المتهافتين على المصارف لشراء شهادات استثمار بعائد متميز عن أسعار السوق توجه إيراداتها لتمويل توسعات في قناة السويس، لكن معدلات التضخم المتصاعدة خلال الفترة التالية لإطلاق المشروع قلصت من العائد الحقيقي لتلك الشهادات، وفي ظل توقعات التضخم لعام 2017 فقد تحقق شهادات القناة عائدًا سلبيًا.
ويعتبر الاقتصاديون أن العائد الحقيقي على المدخرات يساوي معدل الفائدة الذي تقدمه البنوك على تلك المدخرات مطروحًا منه معدل التضخم، الذي يقيس القوى الشرائية للنقود.
وكانت البنوك العامة طرحت شهادات استثمار قناة السويس في سبتمبر 2014 لمدة 5 سنوات بفائدة سنوية 12% من أجل تمويل مشروع قناة السويس الجديدة، ونجحت في جمع 64 مليار جنيه من خلال هذه الشهادات، وهي التجربة التي روجت لها الدولة كنموذج للدعم الشعبي لمشروعات الرئيس القومية التي راهنت عليها لإنقاذ اقتصاد البلاد المتداعي.
لكن التوسعة لم تمكن القناة من تحقيق طفرة في الإيرادات في ظل تباطؤ حركة التجارة العالمية، وعجز المشروع عن المساهمة بشكل لافت في تيسير أزمة ضعف التدفقات الأجنبية، واضطر البنك المركزي لرفع حمايته عن العملة المحلية في نوفمبر 2016 مما أفقد العملة أكثر من نصف قيمتها وقفز بمعدلات التضخم.
ومع ارتفاع التضخم خلال الربع الأخير من 2016 أعلنت وزارة المالية عن رفع العائد على الشهادات للسنوات الثلاثة المتبقية إلى 15.5% سنويًا.
ولم يكن أصحاب شهادات قناة السويس وحدهم المتضررين من معدلات التضخم المرتفعة، فحتى من قام بشراء الشهادات مرتفعة العائد، 20% لمدة سنة ونصف، التي طرحتها البنوك مؤخرًا في شهر تحرير سعر الصرف (نوفمبر الماضي) سيحققون عائدًا سلبيًا في ظل معدلات التضخم المتوقعة للعام الجاري.
"التعويم أثر على كل المدخرين وليس فقط أصحاب شهادات قناة السويس فأعلى عائد على الشهادات الآن 20% لا يساوي معدل التضخم" كما يقول الخبير المصرفي أيمن حجازي.
وطرحت البنوك العامة الثلاثة الأهلي المصري، ومصر، والقاهرة شهادات ادخار بعائد مرتفع 20% سنويًا لمدة عام ونصف، و16% لمدة 3 سنوات وذلك بعد أن رفع البنك المركزي أسعار العائد على الإيداع والإقراض بنسبة 3% تزامنًا مع قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر الماضي، لاحتواء الآثار التضخمية الناجمة عن التعويم.
وواصلت معدلات التضخم السنوية تسجيل مستويات قياسية خلال الشهور التي تلت نوفمبر الماضي، ووصل معدل التضخم السنوي بنهاية فبراير إلى 31.7% رغم تراجعه بصفة شهرية، وهو أعلى معدل له في عقود.
وتوقع بنك أرقام كابيتال أن يتراوح متوسط معدل التضخم السنوي خلال 2017 بين 28-30% على أن يتراجع إلى 15% في 2018.
وبافتراض أن شخصًا استثمر مبلغا في شهادات قناة السويس، فقد زادت قيمة مدخراته بنسبة 12% خلال 2015 ولكنها تآكل جزء كبير من هذه الزيادة أمام التضخم الذي بلغ متوسط معدله خلال نفس العام 10.6%.
وارتفع التضخم إلى 14% خلال 2016، وسعت الدولة خلال الربع الأخير من هذا العام لزيادة العائد على شهادات القناة إلى 15.5%، إلا أن هذا العائد الجديد يقل كثيرا عن معدلات التضخم المتوقعة في عام 2017 مما يمهد لتآكل القيمة الحقيقية لشهادات المودعين هذا العام والعام المقبل أيضًا.
لكن حجازي يوصي المودعين بعدم سحب أموالهم من تلك الشهادات "الاتجاه الآن لتشجيع المشروعات الصغيرة.. يمكنك الحفاظ على الشهادات والاقتراض بضمانها والاستفادة في نفس الوقت بسعر الفائدة المخفض للمشروعات الصغيرة بمبادرة البنك المركزي".
وطرح البنك المركزي في يناير 2016 مبادرة لتخصيص نحو 200 مليار جنيه في صورة قروض جديدة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بنسبة عائد متناقص 5% على قروض المشروعات الصغيرة والصغيرة جدًا، و7% على قروض المشروعات المتوسطة.
وتابع حجازي: "من يملك القدرة على المخاطرة والقيام بالمشروعات هو من يمكنه الاستفادة.. أما أصحاب الادخار السلبي فهم معروضون لخسارة جزء من أموالهم بعد إجراءات الإصلاح".