بالفيديو : قصة "سقوط طائرة" تردد أن على متنها علماء ذرة وضباطاً مصريين قال بعدها مبارك "هيلبسوهالكم" ...
في مطار "كينيدي" بالولايات المتحدة الأمريكية التقى الكابتن أحمد حبشي بمساعده جميل البطوطي في قمرة القيادة، وكلاهما محملان بما تحتاجهما أسرتاهما في مصر، الأول أحضر مستلزمات حفيدته التي كانت على مشارف الوصول، والثاني أنهى إجراءات علاج ابنته المكلِّف، كما أحضر معه حذاءً جديدًا لنجله كريم .
في 31 أكتوبر من عام 1999 بدأت الرحلة رقم "990" في التحرك من نيويورك قاصدةً القاهرة، وذلك بطائرة "بوينج 767" التابعة لشركة "مصر للطيران" وعلى متنها 217 فردًا، قبلها طلب المساعد جميل البطوطي من زوجته أن ينتظره نجلاه بمطار القاهرة .
مرت 60 دقيقة على بداية الرحلة في ظروف طبيعية، وحلقت الطائرة فوق المحيط الأطلنطي على ارتفاع 33 ألف قدم، واقتربت من ساحل "ماساتشوستس" الأمريكي ، ورغم سيرها بشكل عادي إلا أنها اختفت فجأةً عن أجهزة الرادارات .
فوجئ المصريون حينها بنبأ تحطم الطائرة "بوينج 767" وعدم نجاة كل من عليها، والبالغ عددهم 217، لينتظر كريم وأخوه جثة والدهما بدلًا من استقباله بالأحضان، حسبما جاء في حلقة من برنامج "سري للغاية" بعنوان "رحلة البطوطي" على قناة "الجزيرة وثائقية" .
كان للحادثة صدى واسع على مستوى العالم، خاصةً أن الطائرة المنكوبة أقلعت من أراضي الولايات المتحدة، الأمر الذي دفع الأمريكان إلى سرعة البحث عن الأسباب التي أدت لوقوع الكارثة.
وخرج المحققون حينها بعدة ملاحظات ، منها "الطائرة وصلت لارتفاع 33 ألف قدم ثم اختفت من على شاشة الرادار، وأوضحت عداداتها أن (الطيار الآلي) فُصل قبيل اختفاء الطائرة، كما أشارت إلى أن أنف الطائرة انحدر بزاوية تزيد على 40 درجة وهوت إلى حوالي 19 ألف قدم خلال 43 ثانية" .
وأكمل المحققون ملاحظاتهم "محركات الطائرة توقفت أو أُوقفت عن العمل في بداية رحلة السقوط، وعصا القيادة أثناء هذه المرحلة كانت في موضع الهبوط، كما أن رافعتي الصعود والهبوط في مجموعة الذيل كانتا في اتجاهين متضادين، والسرعة النسبية للطائرة اقتربت من سرعة الصوت، وإن لم تصل لكسر حاجز الصوت" .
وأنهى المحققون ملاحظاتهم: «رادار سلاح الطيران الأمريكي التقط الطائرة وهي ترتفع مرة أخرى إلى 24 ألف قدم، ثم تهوي إلى 10 آلاف قدمٍ قبل أن تتبخر»، وهي الاستنتاجات التي عرضها الإعلامي يسري فودة في تحقيق استقصائي أجراه في برنامج «سري للغاية».
وكافة ما خرج به المحققون الأمريكيون لقي تشكيكا مصريا، حينها اتهم وليد البطوطي، ابن شقيق جميل البطوطي، الولايات المتحدة بطمس الحقائق، وقال حينها إن عمه كان يحاول أن يتفادى أحد الصواريخ الذي تم إطلاقه على الطائرة.
وأوضح وليد لبرنامج «سري للغاية» أن توقف محركات الطائرة لا يؤدي لسقوطها لأنها في هذه الحالة تعمل مثل «المركب الشراعي»، وفي نفس الحلقة كشف طيار ألماني أنه رأى كتلة لهب تقترب من طائرته خلال مروره بموقع سقوط «بوينج 767».
واستمر التشكيك المصري حتى أذاع المحققون تسجيل الصندوق الأسود في أغسطس من عام 2000، والذي كشف حينها أن الكابتن أحمد حبشي استأذن من جميل البطوطي بترك قمرة القيادة والتوجه إلى دورة المياه، وبعدها بـ31 ثانية تم سماع كلمة «اتحكم فيه»، ثم لفظ «هيدروليكي»، بعدها قال البطوطي: «توكلت على الله»، وبعد عدة ثوانٍ عاد حبشي صائحًا: «في إيه؟ في إيه؟».
بعدها كرر البطوطي عبارة «توكلت على الله»، كما استمر حبشي في سؤاله «في إيه»، حتى قال: «إيه ده أنت قفلت المحرك؟.. شوف المحرك» ثم أمر: «اقفل المحرك»، ليرد مساعده: «مقفولة»، وانتهى التسجيل بترديد كابتن الطائرة جملة «شد معايا».
في 19 إبريل عام 2001 تسلم الجانب المصري مسودة التقرير النهائي من جانب "هيئة سلامة النقل الأمريكية" بخصوص الحادثة، بعد مماطلة استمرت شهرين وفقما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" حينها.
في نفس التوقيت أصدر مسؤولو شركة مصر للطيران، بناءً على نتائج الوفد المصري المتواجد في نيويورك حينها، بيانًا اتهموا فيه الأمريكيين بالتقصير في إجراءات التحقيق، وتعمد إغفال بحث الاحتمالات الفنية في التسبب في سقوط الطائرة.
ما دفع شركة "مصر للطيران" لإصدار هذا البيان هو أن تسريبات تقرير الأمريكيين كان يلصق التهمة لمساعد قائد الطائرة جميل البطوطي، معتبرين أن دافعه كان الانتحار، وهو ما أكده المحققون في 21 مارس 2002، وكانت حجتهم تكراره جملة "توكلت على الله" في تسجيل الصندوق الأسود، كما استبعدوا وجود عيوب فنية بالطائرة.
بعدها بـ3 أيام أصدرت هيئة الطيران المدني المصرية بيانًا رفضت فيه ما أقره المحققون الأمريكيون، كما رجح البعض أن الرحلة تعرضت لهجوم بسبب وجود 33 ضابطًا من الجيش المصري و3 علماء ذرة مصريين على متن الطائرة، بحسب ما قاله مصطفى بكري في حديثه ببرنامج "سري للغاية" عن "رحلة البطوطي" .
بعد كل هذه الأحداث كان لزامًا على رأس السلطة أن يتحدث، حينها قال الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك: "أول إحساس بعد ما سمعت التسجيل مجموعة الديل حصل لها حاجة" ، وأبدى استغرابه: "طيار ينتحر بطيارة ضخمة فيها 200 راكب!.. أنا لو الكابتن و(الكو بايلوت) عاوز ينتحر ينتحر بالبلد دي كلها!.. ده في 4 طيارين تانيين" .
وأردف مبارك: «لو مكانه أروح ضاربه في دماغه مدوخه ويشدوه يرموه ورا دي أبسط حاجة»، وبدأ يشكك في رواية الأمريكيين: «هو حصل حاجة، لإن من ضمن الكلام بيقول له شد معايا (يقصد حبشي والبطوطي)».
وروى الرئيس الأسبق أن أحد طياري رابطة «الطيارين الأوروبيين» أبلغ ممثلا من شركة «مصر للطيران» أن الأمريكان لن يسمحوا بخروج نتائج تدل على وجود عملية تخريبية، لأن الرحلة أقلعت من أراضيهم، كما أنهم لم يلصقوا التهمة بشركة «بوينج»، وقال مبارك لفظ «هيلبسوهالكم»، وتابع: «ده اللي حصل».
حينها تابع مبارك روايته في كلمة له بأنه قابل نائب الرئيس الأمريكي حينها، والذي أبلغه بضرورة أن يعلم الجميع بأن سبب الكارثة هو انتحار الطيار، وكان رد فعل الرئيس الأسبق: «كلامك مرفوض.. الموضوع كذا كذا كذا ومش عاوز اتكلم لحد ما التحقيقات تخلص».
ورغم ملاحظات الجانب المصري على التقرير الأمريكي إلا أن أسر الضحايا اتهموا مؤسسات الدولة بالتقصير، وهو ما اتضح من تصريح ممثلهم، المحامي عاطف النجمي، لموقع «BBC» في مارس 2002، «ليس من حق هيئة الطيران المدني المصرية طبقًا للقانون المصري التغاضي عن هذا الواجب، ويجب أن تكلف محققين خاصين تحت إشرافها بالتحقيق»، وهو الأمر الذي لم يتم الإعلان عنه أو تنفيذه منذ ذلك الحين.