أخبار عاجلة

| الرفيقة "حنان".. شيوعية ترتدي النقاب على مذهب "السلف الصالح"

بالفيديو| الرفيقة "حنان".. شيوعية ترتدي النقاب على مذهب "السلف الصالح" | الرفيقة "حنان".. شيوعية ترتدي النقاب على مذهب "السلف الصالح"
حنان رفيق: لم أنتخب "مرسي" ونزلت ضده.. و"الإخوان" قالوا إني مسيحية ألبس النقاب للطعن في الإسلام

كتب : محمد شنح الثلاثاء 08-10-2013 00:00

في الموعد المحدد.. السابعة مساءً، تأتي لتتجول في شوارع وسط البلد، التي تحفظها عن ظهر قلب، يشغلك عن زحمة الشوارع وصخب المقاهي حديثها الممتع، الذي لا تمل من الاستماع إليه، قد يكون كلامها عن الثورة ودماء الشهداء وجراح المصابين مكررا، إلا أنه بإحساس مختلف.. إحساس أم الثائر البطل، ورفيقة الشهداء ومسعفة المصابين في الميدان، لها في كل ركن من ميدان التحرير ذكرى، ومع كل شارع غنوة، ومع كل مليونية هتاف، الثورة معها حدوتة نهايتها لم تكتب بعد.

تصل الميدان وتنظر إليه بعد تجديده برضى، ثم تتجه إلى صينية ميدان التحرير، وتقول "جميلة النجيلة الخضرة، لكن استعجلوا في زراعتها، إحنا مش عارفين الأيام الجاية مخبية أيه، 30 يونيو مش النهاية"، تتحدث عن رحلتها الشاقة -كل يوم- من بنها إلى التحرير، حياتها مقسمة بين بيتها والميدان، لا تتقاعس عن المشاركة في أي مظاهرة، قد يكون مثلها ملايين الأمهات اللاتي شاركن في الثورة كتف بكتف مع الرجال، ولكنها تملك خلطة غريبة، تحدثك من وراء حجاب وتصافحك بيديها، ترتدي النقاب ولكنها ليست سلفية ولا إخوانية، ترى أن الإسلام دين الحق والعدل والحرية، ولكنها معجبة بالفكر الشيوعي، تقرأ القرآن وفي ذات الوقت الأدب الروسي والإنجليزي والفرنسي، إنها حنان رفيق، أو كما يلقبونها في الميدان "المنتقبة الثائرة"، صاحبة شعار "شيوعية بما لا يخالف شرع الله".

عشت في 4 سنوات ودرست الفلسفة الروسية وحبيت موسيقى "تشايكوفسكي" والمسرح والباليه

تحكي "حنان" لـ"الوطن" من قلب ميدان التحرير، عن ذكرياتها وتبدأ من صينية الميدان: "أنا أم مصرية عادية جدا، من الأمهات الجميلات اللي نزلوا الثورة المصرية وشاركوا فيها، بتكلم النهارده من أجمل بقعة فيكي يا ، وأنا بعتبرها أجمل بقاع العالم، يكفي إنها شهدت حالة التغيير الكبيرة التي طرأت على مصر والساحة العربية والعالمية، البقعة اللي سالت عليها دماء طاهرة، النهارده بتكلم وجوايا فرحة كبيرة وعندي إحساس أن بكرة أجمل، ثم تتطرق للحديث عن أحداث الثورة التي كانت شاهدة عيان عليها "طول السنتين و8 أشهر، كنا دائما في حالة خوف وتوجس من القادم، كانت هناك معارك في الميدان.. شوفنا جرحى ودم يسيل وكل يوم نتوقع أن بكرة فيه دم تاني وشهداء آخرين، المكان ده ليه ذكريات قد ما هي جميلة إلا إنها مؤلمة أيضا، أشعر بإحساسين في منتهى التضاد، بين الألم والأمل، الألم على كل من سقط مدرج في دمائه، والأمل في مستقبل أفضل".

عرفت "حنان" طريقها إلى ميدان الثورة، بعاطفة الأم، التي هرب ابنها من خوفها المستمر عليه، إلى ميدان التحرير خلال الـ 18 يوما، من بداية الثورة وحتى سقوط نظام "مبارك"، وبجوار المتحف المصري، تسرد حنان سطور قصتها: "هذا المكان شهد فصلا من حياتي كان في منتهى المرارة والألم، لمّا نزل ابني اللي كان وقتها في ثانية ثانوي وشارك في الثورة المصرية، ونزل الميدان بعد جمعة الغضب مباشرة، رغم توسلات الأم والأب بعدم المشاركة؛ خوفا عليه، وكنت كتير أبكي علشانه وخايفة إنه مايرجعش، بعدها كلمني وقالي متبكيش لو سمعتي إني بقيت شهيد، إما أستشهد أو الثورة تنجح، وكتب ليّا لافتة من المكان ده، وقعد بها تحت الدبابة خلال الـ 18 يوما، وكتب عليها بلون الدم (لو مت يا أمي متبكيش.. راح أموت علشان بلدي تعيش)، والحمد لله الثورة نجحت، واحتفل ابني ورجعلي باللافتة البيضة الجميلة والكتابة باللون الأحمر لسة موجودة، وقالي: (صحيح أنا مامتش بس رجعت بحاجة أفخر فيها)، ومن هنا بدأت مسيرتي أنا وهو في التحرير، وشاركنا في كل الأحداث، واضربنا بالخرطوش في محمد ومحمود الأولى والثانية، وجرينا من الرصاص والدبابات في ماسبيرو، وكنا موجودين في أحداث مسرح البالون والعباسية، وكل حدث بروح الثورة المصرية".

أعجبت بالأدب الروسي وقرأت في الأدب الإنجليزي والفرنسي.. لـ"شكسبير" و"فيكتور هوجو"

ما زالت "المنتقبة الثائرة" تواصل رسم لوحتها، وفي مشهد مختلف تقول: "من أمام مسجد عمر مكرم هذا المكان المقدس، الذي يعتبر شاهدا على أحداث الثورة من أول يوم وحتى يوم عزل (مرسي) وتنظيم الإخوان، داخل المسجد كنا نصلي وندعوا الله بنجاح الثورة، وكنا نفطر ونتسحر في شهر رمضان، وكمان كان فيه عيادة طبية، وكنت بشارك مع زملائي في إسعاف المصابين"، بعدها تجلس "حنان" على درجات سلم المسجد لتتذكر صفحة من قصة حياتها "لي الشرف أن أكون مصرية منتقبة، ولكني مانتخبتش محمد مرسي ونزلت في جمعة كشف الحساب ضد دولة مكتب الإرشاد وضد حكم الإخوان؛ لأنها جماعة طامعة في السلطة لا علاقة لها بالدين"، هذا الأمر الذي كان سبب في تشويه صورتها "كتير جدا وجهولي تهم أني أمنجية، مدسوسة ضد الإخوان، مسيحية وملبسنها نقاب علشان تطعن في المنتقبات"، ومن هنا تأخذك في رحلة تغوص معها في بحر أفكارها لتقول "النقاب مش حكر على جماعة أو فصيل، أنا لبسته بكامل حريتي، أنا مصرية مسلمة حرة لست عبده لفكر أو لتنظيم أو جماعة، الدين من عند ربنا نزله على عباده، أما التفكير ملكية مطلقة للإنسان، ومش ممكن أسلّم عقلي لأي حد، أنا حرة في اختياراتي".

4 سنوات من حياتها قضتها "حنان رفيق" في روسيا، عندما سافرت مع زوجها أثناء رحلته الدراسية لنيل رسالة الدكتوراه، وحصلت هناك على درجة الماجستير، تقول عنها "عشت في مدينة بوشكن التابعة لليننجراد أقصى شمال روسيا، مهد الثورة الشيوعية، تعلمت هناك اللغة الروسية ودرست الفلسفة الروسية، حبيت الموسيقى الروسية.. موسيقى تشايكوفسكي العالمية (بحيرة البجع)، شفت الباليه العالمي على مسارح روسيا في مدينة كيروف، شفت مسرحيات ومنوعات على ميوزك كول وشفت السيرك في بشقند، كنت في كل مكان أختار أفضل شيء أقتنيه وأؤمن به وأتحيز له، أعجبت جدا بالأدب الروسي، كرواية الأم لماكسين تركي، وأيضا قرأت لـ (ليو تولستوي) مؤلف اعترافات مجنون وكلامه الجميل عن سيدنا محمد (ص)، وروايته الحرب والسلام وأنا كارنينا، وقرأت لـ"فيودور دوستويفسك" كاتب الجريمة والعقاب والأخوة كرماسوف (الإخوة الأعداء)، ومذلون مهانون، هؤلاء الأدباء تأثرت جدا بفكرهم، وأيضا تأثرت جدا بالأدب الإنجليزي والفرنسي قرأت لشكسبير وفيكتور هوجو، كل هذه الأشياء أثرت فيا كشخص".

تروي "حنان" عن أسرتها المتدينة، والتي ربتها على حرية الاختيار وعلى الفكر المنفتح على العالم بعيدا عن الجمود والتشدد، فتقول "والدي الله يرحمه كان حامل لكتاب الله، وكان مدرس عربي ودين، ووالدتي كانت ست بيت وجدها كان بيحب الإخوان، وأثروا جدا في تربيتي الدينية، ورغم كده أعطونا مساحة حرية واختيار.. ورغم تدينهم كانوا بيسمعوا الموسيقى والغناء، الساعة 5 كل يوم كانوا بيسمعوا أم كلثوم مع شاي العصاري وكان وقت مقدس عندنا، وفي نفس الوقت كنا بنحب صوت الأذان، وترتيل وقراءة القرآن، وأقرأ التاريخ الإسلامي وقصص الأنبياء، وكل الأشياء دي أثرت في تكويني وشخصيي، وأنا بربي ولادي بنفس الطريقة".

"الإسلاميون" خلّوا "الشيوعي" ملحد وكافر.. والليبرالي عايز يقلّع أمه الحجاب

قاربت الرحلة مع "حنان" على الانتهاء، وهي تتجول بين أركان الميدان، فتحكي عن جرافيتي الثورة على جدران الجامعة الأمريكية وشارع محمد محمود بكل ألم، فالشارع أصبح يمثل كآبة لها، وصار مكانا موحشا يذكرها بدماء الشهداء، "حتى كل شوارع الميدان نورت ماعدا الشارع ده"، ثم تتركه لتذهب لأحد مداخل الميدان وتوجه التحية العسكرية لجنود الجيش وتدعو لهم بالنصر، ليمر الوقت سريعا دون أن تدرك فقد تبقى نصف ساعة على بدء موعد حظر التجوال وإغلاق مترو الأنفاق، وسيلتها الوحيدة لموقف سيارات الأجرة على أطراف القاهرة لتعود إلى بنها، فتستقل التاكسي إلى محطة محمد نجيب ولكنها ما زالت تحكي "محطة محمد نجيب لها ذكريات كتير معي، كنا بنضطر أيام المليونيات والميدان مقفول من الزحمة، ننزل هنا ونمشي للميدان، وآخر مرة كانت في 3 يوليو، يوم ما الشعب خرج يحتفل بإسقاط نظام الإخوان"، لتذكر فاشية النظام الديني وجبروته واحتكاره للدين، قائلة: "ليس معنى أني أنتمي لأيدلوجية فكرية معينة كالشيوعية أني أكون ملحدة أو كافرة، فالشيوعية واليبرالية واليسار منتج فكري بشري يأخذ منه ويرد، مينفعش نقول شيوعي يعني ملحد، يساري يعني ميعرفش ربنا، ليبرالي عايز يقلّع أمه الحجاب، كل هذه مهاترات، فكلها أفكار تخرج من فكر بشر، أنا نقابي وإسلامي بيعبر عني كشخصية كمصرية مسلمة، أما اتجاهاتي وميولي مختلفة، أنا انضميت لحزب (العمال والفلاحين) وأهتم بالصيادين المهمشين والفقراء والمرأة، وهو حزب يساري ومش معنى كدة أني ملحدة، وأنا معجبة بالتجربة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي، متمثلة في فكرة العدالة الاجتماعية، والدين الإسلامي سوّا بين السادة والعبيد وحرر الإنسان من العبودية والشرك والوثنية".

الثواني الأخيرة لـ"حنان" قبل أن تبدأ رحلتها إلى خارج العاصمة، ملأتها بالأمنيات لمستقبل أفضل لمصر: "أتمنى رئيس مصر القادم مدني لا ينتمي لأي جماعات دينية وليس تابعا للمؤسسة العسكرية، فجيش مصر لحمايتها وليس لحكمها"، وتنهي "حنان" جولتها مع "الوطن" بتحية لكل شهداء ومصابي ومعتقلي الثورة، وعلى كلمات رقيقة لحّنها لسانها العزب: "أنا دبت في عشقك يا حورية.. وأنا سجني في حبك حرية".

DMC