اشترك لتصلك أهم الأخبار
بعقلية متطرفة لم تتمكن من فهم جوهر الإسلام، وغفلت عن معانى التسامح والرحمة والحرية التى يكفلها الدين الإسلامى للجميع، تأتى سيطرة حركة طالبان على أفغانستان لتثير المخاوف للجميع، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وسواء كانوا داخل أفغانستان أو خارجها.
وتأتى أقلية الهزارة على رأس هؤلاء الخائفين من أن يتم استهدافهم من حركة طالبان، ما دفع البعض منهم إلى الفرار، فيما انضم آخرون إلى جبهة معارضة مسلحة، وأصبح الكثيرون أسرى الخوف والعزلة.
وتمثل أقلية الهزارة نسبة 20% من سكان أفغانستان، وتتبع المذهب الشيعى، وتعرضت على مدى عقود للتمييز فى أفغانستان التى تسود فيها أغلبية سُنية.
وبسبب اتباعهم للمذهب الشيعى وسهولة التعرف عليهم من ملامحهم الآسيوية، أصبح أبناء أقلية الهزارة فريسة سهلة للمتطرفين السنة سواء من حركة طالبان أو تنظيم «داعش» الذين يعتبرونهم كفارا، بحسب تقرير مطول لـ«دويتشه فيله».
وعقب سقوط حكم طالبان عام 2001، تنفس أبناء أقلية الهزارة الصعداء، وتحسنت أوضاعهم حتى تولى البعض منهم مناصب عليا فى الدولة، بما فى ذلك منصب نائب رئيس البلاد.
وشهدت تلك الفترة ازدهار مجتمع الهزارة خاصة فى مجال التعليم، رغم وجود حالات من التمييز وتعرضهم للعديد من الهجمات الإرهابية، بما فى ذلك الهجوم الذى استهدف مستشفى للولادة فى كابول العام الماضى.
ورغم أنه لم تعلن أى جماعة مسؤوليتها عن الهجوم إلا أن العديد من الحكومات الأجنبية قالت فى حينه إن الهجوم يحمل بصمات تنظيم داعش.
ومع عودة طالبان لحكم أفغانستان، سعت الحركة إلى تهدئة المخاوف حيال تكرار أسلوبها الوحشى فى الحكم، إذ تعهد الناطق باسم الحركة مرارا بأنه لن يكون هناك عقاب للمعارضين وباحترام حقوق المرأة والأقليات.
وأرسلت الحركة ممثلين فى أنحاء أفغانستان من أجل تأمين الاحتفال بذكرى عاشوراء التى توافق العاشر من شهر محرم عندما قتل الإمام الحسين بن على عام 61 هجرى الذى يوافق 680 ميلادى.
وتعليقا على هذه التطمينات من قبل طالبان، يعتقد الكثيرون من أقلية الهزارة أن ما أعلنته طالبان ليس سوى دعاية أمام المجتمع الدولى، حيث تمثل المساعدات التنموية الدولية شريان الحياة لدعم اقتصاد أفغانستان المريض والذى أصبح على شفا الانهيار.
وقال مهدى راسكح، الذى ينتمى إلى الهزارة وكان نائبا فى البرلمان، للإذاعة الألمانية إن قومية الهزارة تواجه «اضطهادا عرقيا ودينيا» على يد طالبان. وأضاف «أنهم يواجهون خطرا مميتا».
واتهمت منظمة العفو الدولية فى تقرير، حركة طالبان بتعذيب وقتل عدد من أقلية الهزارة، ووثق باحثون ميدانيون أعمال قتل وحشية طالت 9 من أقلية الهزارة فى أوائل شهر يوليو الماضى بولاية غزنى جنوب شرقى أفغانستان، عقب استيلاء مقاتلى الحركة على المنطقة.
ووفقا لتقرير العفو الدولية، فقد قُتل 6 رميا بالرصاص فيما تم تعذيب 3 آخرين حتى الموت على يد مسلحى طالبان. وقال التقرير إن عمليات القتل هذه تمثل على الأرجح «نسبة ضئيلة من إجمالى أعمال القتل التى نفذها مسلحو طالبان حتى الآن».
وأرجع التقرير ذلك إلى أن طالبان قطعت خدمة الهاتف المحمول فى العديد من المناطق التى استولت عليها مؤخرا، وسيطرت على الصور ومقاطع الفيديو التى يتم مشاركتها بعد ذلك من هذه المناطق.
علاوة ذلك، يخشى شهود العيان الذين يلتقطون الصور على هواتفهم فى الغالب الاحتفاظ بها، خشية تعرضهم لأى أعمال انتقامية إذ اكتشف ذلك.
وقالت حبيبة سرابى، وهى سياسية بارزة من أقلية الهزارة، للإذاعة الألمانية، إنها تمتلك أدلة تفيد بوقوع المزيد من الفظائع، لكنها لا تستطيع نشر التفاصيل حيال ذلك خوفا من تعرض شهود العيان للخطر على أقل تقدير. وكانت سرابى أول حاكمة لإقليم أفغانى وكانت واحدة من 4 سيدات شاركن فى مفاوضات السلام مع طالبان التى استضافتها قطر.
وتقول «دويتشه فيله» إن سرابى عندما أدلت بتصريحاتها كانت لا تزال فى حالة صدمة حيال سيطرة طالبان على زمام الأمور فى أفغانستان، وبعد فترة وجيزة من المقابلة، أرسلت سرابى رابطا لمقطع مصور قصير سيئ، يظهر مقاتلين من طالبان وهم يتحدثون أمام الكاميرا فيما قال أحدهم إنهم ينتظرون الإذن من قادة الحركة من أجل «القضاء» على كافة أبناء أقلية الهزارة، وهو الفيديو الذى انتشر على نطاق كبير بين أقلية الهزارة وأثار الخوف بينهم.
ولا تمثل حركة طالبان مصدر الخوف الوحيد لأقلية الهزارة، فتنظيم «داعش- ولاية خراسان»، الذى ظهر على الساحة مجددا عقب الانسحاب الأمريكى وانهيار الجيش الأفغانى، يشكل أيضا تهديدا على هذه القومية.
ويخشى الكثير من أبناء أقلية الهزارة من مسار الأحداث فى أفغانستان فى حال تحول انتباه المجتمع الدولى والإعلام بعيدا عن أفغانستان، إذ يؤكدون على أن طالبان ستبدأ فى هذا السيناريو بحملة ضد الأشخاص الذين يمكن أن يقودوا المقاومة فى الهزارة.
ولذلك لجأ كثيرون من أقلية الهزارة إلى حمل السلاح، كما يقول ذو الفقار أوميد، النائب السابق فى البرلمان والذى أصبح حاليا أحد قادة المقاومة، ويضيف: لجأ بعض أبناء أقلية الهزارة إلى حمل السلاح وتشكيل جبهة مقاومة. وأضاف للإذاعة الألمانية أنه أسس مقاومة مسلحة من الهزارة وسط أفغانستان تتألف من قرابة 800 مقاتل و5000 متطوع. وقال إنه اضطر إلى خيار حمل السلاح عقب استنفاده كافة السبل من مناشدات الحكومات الغربية عدم ترك أفغانستان لقمة سائغة بين فكى طالبان. وأضاف «الجميع زعم أن طالبان باتت عصرية وقد تغيرت، لكنها لم تتغير فقد تزايدت أعمال العنف والقتل». وقال إن رجاله يحملون السلاح «ضد الإرهاب»، على حد قوله خوفا من ظهور شبكات إرهابية جديدة بعد أن أصبحت أفغانستان تحت حكم طالبان.
وأشار إلى أنه عقد محادثات مؤخرا مع أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود الذى كان أحد القادة الرئيسيين لمقاومة الاحتلال السوفيتى للبلاد فى ثمانينات القرن الماضى، وبعد ذلك مقاومة حركة طالبان. وقُتل أحمد شاه مسعود المنحدر من أصول طاجيكية فى تفجير انتحارى عام 2001. وتعهد مسعود الابن برفض تسليم المناطق الواقعة تحت إمرته لطالبان، وبقتال الحركة انطلاقا من إقليم وادى بنجشير.
وأصبح إقليم وادى بنجشير الجبلى والواقع شمال كابول، آخر منطقة متبقية خارج سيطرة حركة طالبان، وتعد أيضا الجزء الوحيد فى أفغانستان الذى يقاوم اجتياح طالبان الكبير لأفغانستان.
وكان إقليم وادى بنجشير المحاط بالجبال الشاهقة معقل المقاومة ضد السوفييت فى ثمانينيات القرن الماضى، وأيضا ضد طالبان التى استولت على السلطة فى أواخر التسعينيات.
وأشار ذو الفقار أوميد إلى اتحاد القوات التابعة لقومية الطاجيك والهزارة معا لقتال طالبان التى باتت مسلحة بعتاد عسكرى أمريكى متقدم استولت عليه من الجيش الأفغانى. وشدد على أن رجاله لديهم استعداد للقتال ربما بسبب شعورهم باليأس، رغم أن تسليحهم ليس بالحديث مقارنة بتسليح مقاتلى طالبان. وأقر أن مصدر تسليح عناصر المقاومة السوق السوداء المزدهرة وأيضا مصادر من حركة طالبان.
ورغم ذلك، فإن خيار المقاومة قد يحمل فى طياته سيناريو كارثيا لأقلية الهزارة، وفقا لما أشار إليه نعمة الله الإبراهيمى، المحاضر فى جامعة لاتروب فى أستراليا ومؤلف كتاب «الهزارة والدولة الأفغانية». وأضاف أن طالبان يمكنها فرض حصار اقتصادى على مناطق الهزارة ما سيؤدى إلى وقوع مجاعة كبيرة، وقد يؤدى ذلك لوقوع مذابح على نطاق كبير وأعمال انتقامية ضد أبناء الأقلية. وأشار الإبراهيمى إلى أن الكثير من أبناء أقلية الهزارة فروا، بينهم متعلمون، مؤكدا أن موجة الهجرة الجماعية لأبناء الأقلية ستؤدى إلى اختفاء وجودهم داخل البلاد.
وعقب سيطرة طالبان، فر أكثر من 6 آلاف لاجئ من بينهم العديد من الهزارة إلى مدينة كويتا الواقعة جنوب غرب باكستان، التى تضم أيضا مجتمعا كبيرا من الهزارة.
وفقا لمصادر صحفية، فإن أقلية الهزارة تشكل خُمس سكان باكستان البالغ عددهم 207 ملايين نسمة، معظمهم من السنة، فيما تعرضت الأقلية لعشرات الهجمات منذ 2001.